سورة آل عمران - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قوله تعالى: {ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم} هذا متصل بالأول وهو من قول اليهود يقول بعضهم لبعض ولا تؤمنوا أي ولا تصدقوا إلاّ لمن تبع دينكم أي وافق ملتكم التي أنتم عليها وهي اليهودية. واللام في لمن صلة كقوله ردف لكم أي ردفكم {قل إن الهدى هدى الله} أي إن الدين دين الله والبيان بيانه، وهذا خبر من الله تعالى ثم اختلفوا فيه فمنهم من قال: هذا كلام معترض بين كلامين وما بعده متصل بالكلام الأول وهو إخبار من الله تعالى ثم اختلفوا فيه فمنهم من قال: هذا كلام معترض بين كلامين وما وما بعده متصل بالكلام الأول وهو إخبار عن قول اليهود بعضهم لبعض ومعنى الاية ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم والحكمة والكتاب والآيات من فلق البحر وإنزال المن والسلوى عليكم وغير ذلك من الكرامات، ولا تؤمنوا أن يحاجوكم عند ربكم لأنكم أصح ديناً منهم فلما أخبر الله تعالى عن اليهود بذلك قال في أثناء ذلك أن الهدى هدى الله، والمعنى أن الذي أنتم عليه إنما صار ديناً بحكم الله وأمره فإذا أمر بدين آخر وجب اتباعه والانقياد لحكمه لأنه هو الذي هدى إليه أمر به وقيل: معناه قل لهم: يا محمد إن الهدى هدى الله وقد جئتكم به ولن ينفعكم في دفعه هذا الكيد الضعيف وقرأ الحسن والأعمش إن يؤتى بكسر الألف فيكون قول اليهود تاماً عند قوله إلاّ لمن تبع دينكم وما بعده من قول الله تعالى والمعنى قل يا محمد إن الهدى هدى الله {أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} وتكون أن معنى الجحد أي ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا محمد من الدين والهدى {أو يحاجوكم عند ربكم} يعني إلاّ أن يحاجوكم أي اليهود بالباطل فيقولوا: نحن أفضل منكم وقوله عند ربكم أي عند فعل ربكم قيل: أوفي قوله أو يحاجوكم بمعنى حتى ومعنى الآية ما أعطى الله أحداً مثل ما أعطيتم يا أمة محمد بن الدين والحجة حتى يحاجوكم عند ربكم وقرأ ابن كثير آن يؤتى بالمد على الاستفهام، وحينئذٍ يكون في الكلام اختصار تقديره أني يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة فتحسدونه ولا تؤمنون به هذا قول قتادة والربيع قالا: هذا من قول الله تعالى قل يا محمد إن الهدى هدى الله ألأن أنزل كتاباً مثل كتابكم وبعث نبياً مثل نبيكم حسدتموه وكفرتم به قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. وقوله: {أو يحاجوكم} على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين وتكون أو بمعنى إن لأنهما حرفا شرط وجزاء يوضع أحدهما موضع الآخر.
والمعنى وأن يحاجوكم يا معشر المؤمنين عند ربكم قل: يا محمد إن الهدى هدى الله ونحن عليه ويحتمل أن يكون الجميع خطاباً للمؤمنين ويكون نظم الاية أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر المؤمنين، فإن حسدوكم فقل إن الفضل بيد الله، فإن حاجوكم فقل إن الهدى هدى الله ويحتمل أن يكون الخبر عن اليهود قد تم عند قوله لعلهم يرجعون وقوله: {ولا تؤمنوا} من كلام الله تعالى ثبت به قلوب المؤمنين لئلا يشكوا عند تلبس اليهود وتزويرهم في دينهم يقول الله عز وجل: ولا تصدقوا أن يحاجوكم عند ربكم أو يقدروا على ذلك فإن الهدى هدى الله، وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. فتكون الاية كلها خطاباً للمؤمنين عند تلبيس اليهود لئلا يرتابوا ولا يشكوا وقوله تعالى: {قل إن الفضل} يعني قل لهم يا محمد إن التوفيق للإيمان والهداية للإسلام {بيد الله} أي أنه مالك له وقادر عليه دونكم ودون سائر خلقه {يؤتيه من يشاء} يعني الفضل الذي هو دين الإسلام يعطيه من يشاء من عباده ويوفق له من أراد من خلقه وفيه تكذيب لليهود في قولهم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم فقال الله تعالى رداً عليهم قل لهم ليس ذلك إليهم وإنما الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وأصل الفضل في اللغة الزيادة وأكثر ما يستعمل في زيادة الإحسان والفاضل الزائد على غيره في خصال الخير {والله واسع} أي ذو سعة يتفضل على من يشاء {عليم} أي بمن يتفضل عليه وهو للفضل أهل.


{يختص برحمته} يعني بنبوته ورسالته وقيل بدينه الذي هو الإسلام وقيل بالقرآن {من يشاء} يعني من خلقه وفيه دليل على أن النبوة لا تحصل إلاّ بالاختصاص والتفضل لا بالاستحقاق لأنه تعالى جعلها من باب الاختصاص وللفاعل أن يفعل ما يشاء إلى من يشاء بغير استحقاق {والله ذو الفضل العظيم} قوله عز وجل: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك} الآية نزلت في اليهود أخبر الله عز وجل أن فيهم أمانة وخيانة وقسمهم قسمين، والقنطار عبارة عن المال الكثير والدينار عبارة عن المال القليل يقول منهم من يؤد الأمانة وإن كثرت مثل عبد الله بن سلام وأصحابه ومنهم من لا يؤديها وإن قلت: وهم كفار أهل الكتاب مثل كعب بن الأشرف وأصحابه قال ابن عباس في هذه الآية: أودع رجل من قريش عبد الله بن سلام ألفاً ومائتي أوقية من ذهب فأداها إليه فذلك قوله تعالى: {ومن أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من أن تأمنه بدينار لا يؤده إليك} يعني فنحاص بن عازوراء استودعه رجل من قريش ديناراً فخانه وجحده ولم يؤده إليه. وقيل: أهل الأمانة هم النصارى، وأهل الخيانة هم اليهود لأن مذهبهم أن يحل قتل من خالفهم في أمر الدين وأخذ ماله بأي طريق كان {إلاّ ما دمت عليه قائماً} قال ابن عباس: يريد تقوم عليه وتطالبه بالإلحاح والخصومة والملازمة وقيل: معناه إلاّ مدة دوامك عليه يا صاحب الحق قائماً على رأسه متوكلاً عليه بالمطالبة له والتعنيف بالرفع إلى الحاكم وإقامة البينة عليه. وقيل أراد أنه إن أودعته شيئاً ثم استرجعته منه في الحال وأنت قائم على رأسه لم تفارقه رده عليك. وإن أخرت استرجاع ما أودعته وأنكره ولم يرده عليك {ذلك} أي سبب ذلك الاستحلال والخيانة {بأنهم قالوا} يعني اليهود {ليس علينا في الأميين سبيل} يعني أنهم يقولون ليس علينا إثم ولا حرج في أخذ مال العرب وذلك أن اليهود قالوا: أموال العرب حلال لنا إنهم ليسوا على ديننا ولا حرمة لهم في كتابنا وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم في دينهم وقيل: إن اليهود قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه والخلق لنا عبيد فلا سبيل علينا إذا أكلنا أموال عبيدنا وقيل إنهم قالوا: إن الأموال كلها كانت لنا فما في يد العرب فهو لنا، وإنما هم ظلمونا وغصبوها منا فلا سبيل علينا في أخذها منهم بأي طريق كان وقيل إن اليهود كانوا يبايعون رجالاً من المسلمين في الجاهلية. فلما أسلموا تقاضوهم بقية أموالهم فقالوا: ليس لكم علينا حق ولا عندنا قضاء لأنكم تركتم دينكم وانقطع العهد بيننا وبينكم، وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم فأكذبهم الله تعالى فقال {ويقولون على الله الكذب} يعين اليهود {وهم يعلمون} يعني أنهم كاذبون ثم إنه تعالى رد على اليهود قولهم.


{بلى} أي ليس الأمر كما قالوا بل عليهم سبيل ولفظة بلى لمجرد نفي ما قبلها فعلى هذا يحسن الوقوف عليها ثم يبتدئ من أوفى أي ولكن {من أوفى بعهده} أي بعهد الله الذي عهد إليه في التوراة من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن الذي أنزل عليه وبأداء الأمانة إلى من ائتمنه عليها وقيل الهاء في قوله بعهده راجعة إلى الموفى {واتقى} يعني الكفر والخيانة ونقض العهد {فإن الله يحب المتقين} يعني الذين يتقون الشرك.
(ق) عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر»، وفي رواية «إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» قوله عز وجل: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً} قال عكرمة نزلت هذه الآية في أحبار اليهود ورؤسائهم أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب الذين كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة في شأن محمد صلى الله عليه وسلم فبدلوه وكتبوا بأيديهم غيره وحلفوا أنه من عند الله لئلا تفوتهم الرشا والمآكل التي كانوا يأخذونها من أتباعهم وسفلتهم وقيل نزلت في ادعاء اليهود الذين قالوا: إنه ليس علينا في الأميين سبيل وكتبوا ذلك بأيديهم وحلفوا أنه من عند الله وقيل نزلت في الأشعث بن قيس وخصم له.
(ق) عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان» قال عبد الله: ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقة من كتاب الله عز وجل: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً} إلى آخر الآية وفي رواية قال: «من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان» فأنزل الله تصديق ذلك {إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمناً قليلاً} الآية. فدخل الأشعث بن قيس الكندي فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن قلنا كذا وكذا فقال صدق فيَّ نزلت كان بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شاهداك أو يمينه» قلت إنه إذا يحلف لا يبالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان» ونزلت {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً} إلى آخر الآية. وأخرجه الترمذي وأبو داود وقالا: إن الحكومة كانت بين الأشعث وبين رجل يهودي. وقيل نزلت هذه الآية في رجل أقام سلعة في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه.
(خ) عن عبد الله بن أبي أوفى: أن رجل أقام سلعة وهو في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلاً من المسلمين فنزلت: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً} إلى آخر الآية. وقيل الأقرب حمل الآية على الكل فقوله تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله} يدخل فيه جميع ما أمر الله به ويدخل فيه العهود والمواثيق المأخوذة من جهة الرسل ويدخل فيه ما يلزم الرجل نفسه من عهد وميثاق فكل ذلك من عهد الله الذي يجب الوفاء به. ومعنى إن الذين يشترون يستبدلون بعهد الله يعني الأمانة وأيمانهم يعني الكاذبة ثمناً قليلاً يعني شيئاً يسيرا من حطام الدنيا، وذلك لأن المشتري يأخذ شيئاً ويعطي شيئاً فكل واحد من يعطي، والمأخوذ ثمناً للآخر فهذا معنى الشراء {أولئك} يعني من هذه صفتهم {لا خلاق لهم في الآخرة} أي لا نصيب لهم في الآخرة ونعيمها وجميع منافعها {ولا يكلمهم الله} يعني كلاماً يسرهم به أو ينفعهم. وقيل: هو بمعنى الغضب {ولا ينظر إليهم يوم القيامة} أي لا يرحمهم ولا يحسن إليهم ولا ينيلهم خيراً {ولا يزكيهم} أي ولا يطهرهم من الذنوب ولا يثني عليهم بجميل {ولهم عذاب أليم} يعني في الآخرة.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم، ورجل منع فضل ماله فيقول الله له اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك»،.
(م) عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فقلت: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» وللنسائي «المنان بما أعطى والمسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب».
(م) عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار فقالوا: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً قال وإن كان قضيباً من أراك».

9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16